رفاهية وازدهار الطفل child’s well being

هذا المقال يحاول توضيح وشرح مفهوم "رفاهية وازدهار الطفل" والمجالات المندرجة تحت هذا المفهوم، وأهميته في السنوات الأولى في حياة الطفل، وكذلك دور الأم و المحيطين بالطفل في ذلك.

1/26/20252 دقيقة قراءة

رفاهية وازدهار الطفل child’s well being

في البداية يجب توضيح الترجمة المستخدمة في هذا المقال لمفهوم child’s well being، وبعد ذلك نتطرق الي تعريف هذا المصطلح ومجالاته. مفهوم well being يمكن ترجمته ب (رفاهية، ازدهار، خير، سعادة، صحة وعافية) وفي الحقيقة هو يشمل كل هذه الجوانب (كما سيتم توضيحه في هذا المقال) ولكن لضرورة اختصار المفهوم سيتم استخدام مصطلح "ازدهار" كمرادف ل “well-being” ، و هكذا child’s well being سيتم ترجمته في هذا المقال الي "ازدهار الطفل"، حيث ان كلمة رفاهية مرتبطة بالثراء والامكانات المادية الي حد كبير في أذهان الناس، و كلمات مثل سعادة، خير، او صحة قد تكون مرتبطة بجانب واحد، اما كلمة ازدهار فيمكن ان تشمل بسهولة جوانب متعددة مما يجعلها انسب كلمة للاستخدام لتعريف هذا المفهوم. بعد ان تم توضيح المصطلح والترجمة المستخدمة، ننتقل الي تعريف مفهوم "ازدهار الطفل". مركز أبحاث ازدهار الطفولة Childhood Wellbeing Research Centre (CWRC) [--1] يوضح أن ازدهار الطفل مفهوم معقد ليس فقط بسبب الاختلاف حول تعريفه، ولكن أيضًا بسبب وجهات النظر المختلفة في التعامل معه، سواء من منظور النمو أو منظور حقوق الطفل، وبالتالي التمييز في تحديد المجالات المتعلقة بهذا المفهوم. يركز المنظور التنموي على الحياة المستقبلية ويقيس العجز الذي قد يمنع تلك الحياة المستقبلية الجيدة، وعلى العكس من ذلك، يركز منظور حقوق الطفل على جودة الحياة الآن ويهدف إلى توفير الفرص لتحقيق هذا الغرض. يعرف مركز أبحاث ازدهار الطفولة مفهوم "ازدهار الانسان" بأنه مفهوم يفهم عموما بانه "جودة حياة الناس" وهي "حالة ديناميكية تتعزز عندما يتمكن الناس من تحقيق أهدافهم الشخصية والاجتماعية. يُفهم الازدهار فيما يتعلق بالمقاييس الموضوعية، مثل دخل الأسرة والموارد التعليمية والحالة الصحية؛ والمؤشرات الذاتية مثل السعادة وإدراك جودة الحياة ورضا الحياة". بالتالي فيمكن القول بان مفهوم "ازدهار الطفل" يعني جودة حياة الطفل والتي تشمل مجالات متعددة.

اختلفت المجالات والمؤشرات المستخدمة لتحديد وقياس ازدهار الطفولة، مما يجعل من الصعب إجراء مقارنات ذات مغزى لازدهار الطفولة عبر دراسات مختلفة وسياقات مختلفة. المشروع المتعدد الجنسيات لمراقبة وقياس ازدهار الأطفال Multi-National Project for Monitoring and Measuring Children’s Wellbeing الذي أسسه مركز تشابين هول في جامعة شيكاغو، حدد مجموعة من حوالي 60 مؤشرًا تحت خمس مجالات تشمل؛ السلامة والحالة البدنية؛ الحياة الشخصية؛ الحياة المدنية؛ الموارد/المساهمات الاقتصادية؛ وأنشطة الأطفال. في حين قارن تقرير اليونيسيف عن فقر الأطفال ورفاهتهم في البلدان "الغنية"؛ البيانات ذات الصلة برفاهة الطفولة من 21 دولة عبر ستة أبعاد؛ الرفاهية المادية؛ الرفاهية التعليمية؛ الصحة والسلامة؛ العلاقات الأسرية والعلاقات بين الأقران؛ السلوك والمخاطر؛ والرفاهية او الازدهار الذاتي. من جانب آخر وضع مؤشر رفاهة الطفل في أوروبا Index of Child Wellbeing in Europe لمقارنة 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى النرويج وأيسلندا سبع مجالات؛ صحة الطفل؛ الرفاهية الذاتية؛ العلاقات الشخصية؛ الموارد المادية؛ التعليم؛ السلوك والمخاطر؛ والإسكان والبيئة. مما سبق يتضح ان هنالك اجماع على ان مفهوم ازدهار الطفل يحتوي على مجالات متعددة تشمل؛ الجانب البدني وصحة الطفل؛ الجانب النفسي الاجتماعي وعلاقات الطفل بنفسه وبالآخرين؛ الجانب المادي من موارد مادية وما توفره من سكن وتعليم وغير ذلك؛ والجانب البيئي. في حين ان ازدهار الإنسان هو شيء هام بشكل عام؛ إلا أنه يكتسب أهمية خاصة في مرحلة الطفولة.

على الرغم من أن "ازدهار" حياة البشر لها أهمية قصوى لجميع الأعمار، إلا أن أهميتها تزداد خلال السنوات الأولى، حيث يؤثر ازدهار الطفل على حياته بعد ذلك كشخص بالغ. كل طفل يولد بمجموعة معينة من الجينات؛ والخبرات التي يمر بها خلال السنوات الأولى من حياة الانسان يمكن أن تؤدي إلى تحفيز أو إبطاء أو حتى منع فعالية هذه الجينات. كما تؤثر هذه الخبرات على نمو الدماغ وبنيته التي تشكل الأساس للنمو الصحي في المستقبل أو الخلل ومشاكل الصحة العقلية، والتي لها تأثيرات طويلة المدى قد تستمر مدى الحياة في حالة عدم تلقي التدخل المناسب[--2] . الازدهار مفهوم شامل يشمل الجسم والدماغ والنفس مما يسمح للإنسان بتحقيق أهدافه على المستويين الموضوعي والذاتي. بالإضافة إلى ذلك، فهو نهج متعدد الأبعاد حيث تكون مجالاته تفاعلية ومتشابكة معًا، حيث يؤثر كل بُعد ويتأثر بالمجالات الأخرى والعكس صحيح. وبالتالي، فإن الخلل في الدماغ يمكن أن يمنع الطفل من التعلم وتكوين علاقات صحية. كذلك اجمعت العديد من المؤسسات المختصة بدراسة نمو وازدهار الأطفال مثل معهد الطفل الحضري؛ مركز الطفل النامي في جامعة هارفارد؛ ومؤسسة جورج لوكاس التعليمية[--3]؛ إن الحرمان من بيئة داعمة وعلاقات متجاوبة -خاصة في السنوات الأولى- يمكن أن يسبب عواقب وخيمة على وظائف الدماغ وبنيته. حيث ان التجارب الي يمر بها الطفل تستحث بناء الدوائر العصبية في المخ، وكلما زادت الخبرات التي يمر بها الطفل وتنوعت كلما بنى المخ دوائر عصبية أكثر واتصلت بغيرها من الدوائر مما يسمح للمخ بالنمو بشكل صحي. من جانب آخر فان الدوائر التي لا تستخدم في المخ يحصل لها ضمور[--4] ، فاذا كان الطفل لا يحصل على التجاوب العاطفي والاجتماعي؛ مثل حضنه والنظر إليه، والابتسام له الكلام واللعب معه، فإن نمو هذه الدوائر سيتأثر بشكل كبير مما يعيق النمو الصحي للمخ.

يبدأ ازدهار الطفل من مرحلة ما قبل الولادة[--5] حيث تؤثر حالة الأم على نمو الطفل سواء من جانب حصولها على التغذية المناسبة، حالتها الصحية، وكذلك حالتها النفسية. فمثلا توتر الأم المستمر قد يؤثر بشكل مباشر على الجنين من خلال وصول هرمونات التوتر التي يفرزها جسم الأم الي الجنين فيؤثر على نموه، او بشكل غير مباشر من خلال تأثيره على جسم الأم ومن ثم الجنين[--6] . كذلك حالة الأم بعد الولادة وقدرتها على تلبية ليس فقط احتياجات الطفل الجسمية وكذلك النفسية والعاطفية كما تم شرحه من قبل. بعد ذلك يأتي دور الأشخاص المحيطين بالطفل من الأسرة ومقدمي الرعاية في الحضانات وكذلك المعلمات حيث يسهم مدى ازدهار البالغين من حول الطفل في ازدهاره او في إعاقة نموه الطبيعي وحرمانه من التعرض للخبرات اللازمة للنمو الصحي ومن ثم الازدهار. وبناء عليه يقترح كلا من باجدي وفاكا أن المبادرات المقدمة للعناية بازدهار الأطفال لا ينبغي أن تركز فقط على الأطفال، ولكن على الأطفال في سياق الأسر والأحياء والمجتمعات على نطاق واسع[--7].

الملاحظات:

[--1]المركز عبارة عن شراكة بين وحدة أبحاث توماس كورام (TCRU) ومراكز أخرى في معهد التعليم ومركز أبحاث الطفل والأسرة (CCFR) في جامعة لوفبورو وPSSRU في جامعة كنت

[--2] (معهد الطفل الحضري، بدون تاريخ؛ مركز الطفل النامي في جامعة هارفارد، 2016)

(The Urban Child Institute, No Date; Center on the Developing Child at Harvard University, 2016)

[--3])The Urban Child Institute, No Date; Center on the Developing Child at Harvard University, 2016; The George Lucas Educational Foundation, 2008).

[--4](Center on the Developing Child at Harvard University, 2011)

[--5](Cumming, 2016)

[--6](Coussons-Read, 2013)

[--7]Bagdi و Vacca (2005: 149)

References:

Bagdi, A, & Vacca, J, (2005), ‘Supporting Early Childhood Social-Emotional Well Being: The Building Blocks for Early Learning and School Success’, Early Childhood Education Journal, 33(3) pp. 145-150, Available at: https://eric.ed.gov/?id=EJ747220, (Accessed: 26/01/2025)

Center on the Developing Child at Harvard University, (2016), Brain Architecture’, Available at: http://developingchild.harvard.edu/science/key-concepts/brain-architecture/, (Accessed: 26/01/2025)

Center on the Developing Child at Harvard University, (2011), Experiences Build Brain Architecture’, Available. at: https://developingchild.harvard.edu/resources/videos/experiences-build-brain-architecture/, (Accessed: 26/01/2025)

Child Well-Being Research Centre, (2010), ‘Childhood Wellbeing: A Brief Overview’, pp.1-18, London: The Stationery Office, Available at: https://www.gov.uk/government/uploads/system/uploads/attachment_data/file/183197/Child-Wellbeing-Brief.pdf, (Accessed: 25/01/2025)

Coussons-Read M, (2013), ‘Effects of prenatal stress on pregnancy and human development: mechanisms and pathways’, Obstetric Medicine, 6(2):52-57, Doi: 10.1177/1753495X12473751

Cumming, T, (2016), ‘Early childhood educators’ well-being: An updated review of the literature’, Early Childhood Education Journal, DOI: 10.1007/s10643-016-0818-6

National Scientific Council on the Developing Child, (2012), ‘Establishing a Level Foundation for Life: Mental Health Begins in Early Childhood: Working Paper No. 6’, Updated Edition, Available at: http://developingchild.harvard.edu/resources/reports_and_working_papers/working_papers/wp6/, (Accessed: 26/01/2025)

The George Lucas Educational Foundation, (2008), ‘The Heart-Brain Connection: The Neuroscience of Social, Emotional, and Academic Learning’, [YouTube] Available at: https://www.edutopia.org/video/heart-brain-connection-neuroscience-social-emotional-and-academic-learning/, (Accessed: 26/01/2025)

The Urban Child Institute, (No Date), ‘Baby’s Brains Begin Now: Conception to Age 3’, Available at: https://threekeyyears.org/portfolio-items/babys-brain-begins-now-conception-to-age-3/, (Accessed: 26/01/2025)